السيسي خادم بدرجة رئيس .....بقلم عبدالرحيم حشمت المحامي

السيسي خادم بدرجة رئيس
بقلم عبدالرحيم حشمت عسيري . المحامي
منذ عصر الفراعنة لم يناد المصريون بواحد منهم ليحكمهم مثلما نادوا بالبطل القومي عبدالفتاح السيسي عقب ثورة 30 يونيو الشعبية الخالدة .. نادوا به ، بعدما وثقوا فيه ، وأحبوه ، وفوضوه .. نعم ناشده السواد الأعظم من المصريين نخب وعوام ، ونساء ورجال ، وشباب وشيوخ .. بل ألحوا عليه إلحاحا يشبه التكليف فقبل السيسي تحمل المسئولية على مضض ، واعتلي عرش هذا البلد بعدما حقق نجاحا ساحقا في انتخابات رئاسية حرة نزيهة شهد بها العالم كله شرقه وغربه .. منذ ذلك الوقت أصبح الرئيس السيسي خادما بأجر لدى هذا الشعب نعم أصبح السيسي خادما للشعب بدرجة رئيس جمهورية وخدمة المصريين لو تعلمون شرف كبير لا يناله إلا ذو حظ عظيم ، نال السيسي شرف خدمة المصريين .. وأصبح شغله الشاغل هو السهر على أمنهم ، وتلبية مطالبهم ، وحماية حقوقهم ، وتحقيق أحلامهم .
لكن بعد مرور ما يقرب من عامين على حكم السيسي فإن المراقب لأحوال المصريين على امتداد خريطة الأوطان من المنزلة لغاية أسوان يمكنه أن يرصد في عيونهم نظرات حزينة بائسة ممزوجة باللوم والعتب ، ومحفوفة بالحدة والغضب .. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها ، ولا يجوز إغفالها ، وليس من الفطنة تجاهلها أو غض الطرف عنها فالمصريين غاضبون من الغلاء الذي توحش بشكل مخيف خاصة أنهم لم يروا حتى الآن أي مردود إيجابي على أرض الواقع يعود عليهم مباشرة من المشاريع العملاقة التي أرسى قواعدها الرئيس السيسي ، بل إن معظم المصريين لا يعرفون أساسا أن هناك مشاريع عملاقة تم تشييدها خلال هذه الفترة الوجيزة ، ذلك لأن الحكومة لم تعلن بشكل مهني عما حققته من إنجازات ، ولم تسلط الضوء على المشاريع العامة التي أقيمت بحصيلة الأموال التي تم استقطاعها من دعم الفقراء والمعدمين .. المصريون لديهم تساؤلات كثيرة ، عن قضايا وطنية عديدة ، عليها علامات استفهام كبيرة ، مثل التصالح مع لصوص المال العام من رجال الأعمال ، والقيادات السياسية ، والرموز الأمنية في النظام الأسبق المستبد الفاسد البائد .. المصريون يتألمون ليلا ونهارا من مواكب الشهداء الذين يقتلون غدرا كل يوم من المواطنين العاديين ، والجيش ، والشرطة ، والقضاء .. بينما الأحكام القضائية الصادرة ضد الخونة والإرهابيين لا تنفذ لأسباب غير مفهومة .
إن زمن قيادة المصريين من خلال الملفات المغلقة لن يعود ، لأنه أصبح موضة قديمة ، ولم يعد مقبولا قيادتهم كالعميان في هذا العصر كما كان يحدث من قبل .. خصوصا في ظل هذه الأجواء الثورية ، التي تسود فيها الروح الوطنية ، وتعم فيها المشاركة الإيجابية .. لذا لا يليق تركهم عرضة للتضليل من إعلام ممول خائن عميل .. إذا لابد لمسئولي الدولة أن يفيقوا من غيبوبتهم ، وأن يقوموا بدورهم في التعبئة والحشد والتوعية ، ولابد من تطبيق سياسة المصارحة والشفافية .. ولننظر إلى أي حد غضب هذا الشعب حينما اكتشف أنه آخر من يعلم بقضية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية ، ما أحدث انقساما كبيرا في الرأي العام ، وتشكيكا مريبا في الوطنية ، وطعنا متبادلا في أدلة الملكية الخاصة بحزيرتي صنافير وتيران .. فتاهت معالم الحقيقة ، وعمت لغة التشويه ، وسادت روح التخوين ، واهتزت هيبة الدولة .. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لننظر بروية كيف تقبل الفقراء - حبا في السيسي وثقة فيه - بروح وطنية قرارات تقليص الدعم التي صدرت منذ عدة شهور وتحملوا على أثرها بشجاعة يحسدون عليها الضيم والعوذ والحاجة وما زالوا يتحملون .. بينما رفضوا من قبل قرارات رفع الدعم التي أصدرها الرئيس الراحل السادات وهو بطل الحرب والسلام بإشعالهم مظاهرات 18 و 19 يناير عام 1977 م التي أطلق عليها السادات (انتفاضة حرامية) في خطابه الشهير الذي أعلن فيه تراجعه عن قرارات رفع الأسعار لكن القاضي الوطني الشجاع المستشار حكيم منير صليب رئيس محكمة أمن الدولة قال في حيثيات حكم تلك القضية بأنها ليست (انتفاضة حرامية) بل هي انتفاضة مواطنين شرفاء عانوا من الفساد وأنوا تحت وطأة الغلاء . الملاحظ هنا أن المصريين رفضوا قرارات السادات بالرغم من أنهم لم يكونوا في حالة ثورية كما هم الآن .
ما زال الحزن يغلف عيون المصريين ، وتكسوا الكآبة وجوههم ، ويحيط بهم البؤس من كل مكان .. منذ خروجهم بالملايين ضد الفساد والتوريث والاستبداد في ثورة 25 يناير أعظم ثورة بشرية في تاريخ الإنسانية .. وما زالوا يعانون على مدى خمس سنوات مما تعرضوا له من موبقات ، ومما رأوه من ويلات .. وكأنما هناك قوى جبارة غامضة خفية تقف حجر عثرة في سبيل تقدمهم ، وتعاقبهم على ثورتهم ضد الفساد والظلم والدكتاتورية .. ولكن صدمتهم هذه المرة من أشد وأعظم الصدمات ذلك ليس لأن هناك من وعدهم فأخلف وعده كما حدث في الماضي القريب بل صدموا لأنهم حلموا كثيرا ثم تحولت أحلامهم مع مرور الأيام إلى كوابيس بالليل وسراب بالنهار .
بعد ثورتين شعبيتين لا عاصم لحاكم في مصر من غضب الفقراء إلا بتطبيق العدالة الاجتماعية .. نعم اذا لم يجد الفقراء من يحنو عليهم اليوم فلن تأخذهم رحمة بأحد كائن من كان غدا .. لذلك ليس من الحكمة الركون لأحد بعد الله سبحانه وتعالى إلا للفقراء الذين يعشقون هذه البلاد بجنون ، وينتمون إليها بلا حدود ، ويمثلون الغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب الحر الأبي .. الذين قال عنهم داهية العرب أبو الحجاج ابن يوسف الثقفي وهو يوصي طارق بن عمرو قائلا : ( لو ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل ، فهم قتله الظلمة ، وهادمي الأمم ، وما أتى عليهم قادم بخير إلا إلتقموه كما تلتقم الأم رضيعها ، وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب ، وهم أهل قوة وصبر وجلد ، ولا يغرنك صبرهم ، ولا تستضعف قوتهم ، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه ، فأتقى غضبهم ، ولا تشعل نارا لا يطفئها إلا خالقهم ، ولا تستقوي عليهم ، وانتصر بهم .. فهم خير أجناد الأرض ) .
وختاما أتوجه بسؤال مباشر للرئيس عبدالفتاح السيسي فأقول له : إذا قدر لك يا سيادة الرئيس أن تكون أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن تنحاز لرجال الأعمال أو تنحاز للفقراء والمعدمين فلمن ستنحاز ؟ .. هل ستنحاز لرجال الأعمال الذين انحاز إليهم من قبل الرئيس الأسبق المخلوع فمهدوا له طريق الانحراف ، وزينوا له الخطيئة ، وأغرقوه حتى أذنيه في براثن الفساد ، واستدرجوه نحو الهاوية ، وكانوا أحد أسباب سقوطه ، وما زالوا ينهبون هذا الشعب ، ويبتزون الدولة ، ويساومون الحكومة ، ويعتبرون مصر منجم لا وطن ، وعلى رأسهم رمز الفساد المالي والسياسي الذي هدد الحكومة مؤخرا إما أن تخضع لمطالبه أو يسحب أمواله ويصفي ممتلكاته ويرحل حينما قال (أرض الله واسعة) .. أم ستختار الانحياز للفقراء الذين بنوا هذا الوطن ، وحموا أرضه على مدى آلاف السنين ، وقدموا أبنائهم فداء له في ساحات القتال ، وما زالت دماؤهم تروي رماله غدرا كل يوم على يد الخونة والعملاء .. وبالرغم من وقع البلاء ، وشدة الغلاء ما زالت الغالبية العظمى منهم تثق فيك ، وتحبك ، وتؤيدك ؟ .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

*تونس يا بلادي... سميربن التبريزي الحفصاوي

الإعلامي د. أحمد أسامة عمر يتألق فى ندوة نادي سينما أسامة عمر

نفحةٌ قلب بقلمي السيد حسن عبدربه