لماذا يصوم الجياع ؟ بقلم / محمد سعيد أبوالنصر

لماذا يصوم الجياع ؟ الرد على افتراءات الطاعنين في الصيام "مصطفى راشد أنموذجًا "(2)
بقلم / محمد سعيد أبوالنصر
هذا هو المقال الثاني في الرد على من قال لماذا فرض الله الصوم على الأغنياء
وفي المقال الأول شرحنا وجهة نظر هؤلاء وشبهتهم التي أرادو بها النيل من الصيام في الإسلام وها نحن نعاود المحاورة معهم مرة تانية لنرد على هذه الشبهة .
الرد على مصطفى راشد :
ما جاء في كلام "مصطفى راشد " يخالف النصوص القرآنية الصحيحة، ومن ذلك قوله تعالى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وكلامه وما صدَّره للناس ورغب وأحب أن يفتنهم عن دينهم لا دليل على صحته لا من قرآن ولا من سنة ،والقرآن أكد على فرضية الصيام دون أن يقصره على غني أو فقير ،إنما فرضه على كل الناس بلا تفرقه ، وكلف الناس به لأنه هو المشرع والحاكم ، وللمشرع أن يشرع كما يشاء ،وليس من حق المكلف أن يرد الأمر على الأمر .أضف إلى ذلك الحِكَم والمقاصد التي من أجلها شُرع الصوم وفُرض ، كما أن كلام "مصطفى راشد" ينقص الإسلام ركنًا من أركانه، وأركان الإسلام خمسة وهي : شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت ، فالركن الرابع من أركان الإسلام هو صوم رمضان وهو فرض على الغني والفقير مادام صحيح البدن مقيما قادرا على صيام الشهر الكريم وهذا أمر مجمع عليه من السلف والخلف لا خلاف في ذلك ولم نسمع بمثل قول "مصطفى راشد" عبر تاريخ المسلمين ولكن هواه قاده لذلك محاولًا نزع الناس عن فريضة الصيام التي فرضها الله عليهم ولكي يتضح خطأ قوله يتوجب علينا ذكر حِكَم الصيام ومقاصده
حِكَم الصيام ومقاصده
من أسماء الله تعالى: الحكيم، والحكيم هو الذي يتصف بالحكمة، والحكمة إتقان الأمور ووضعها في موضعها، ومقتضى هذا الاسم من أسمائه تعالى أن كلَّ ما خلقه أو شرعه فهو لحكمةٍ بالغة، علِمَها مَن علمها وجهلها من جهلها فالله سبحانه وتعالى لم يفرض علينا الصيام، ويمنعنا عن الطعام والشراب - اللذَين أحلهما لنا - ليعذبنا أو يعنتنا، فحاشا لله أن يفعل ذلك، ولكنَّ للصيام الذي شرعه الله وفرَضه على عباده حِكَمًا عظيمة وفوائد جمة." فالله حكيم في خلقه، حكيم في أمره، لا يخلق شيئًا باطلاً، ولا يشرع شيئًا عبثًا وهذا ينطبق على العبادات وعلى المعاملات جميعًا، كما ينطبق على الواجبات والمحرمات أيضًا، إن الله تعالى غني عن العالمين، وعباده جميعًا هم الفقراء إليه، فهو سبحانه لا تنفعه طاعة، كما لا تضره معصية، فالحكمة في الطاعة عائدة إلى مصلحة المكلفين أنفسهم." وأولى هذه الحِكَم وأجلُّها أن الله إنما شرع الصيام وفرضه لتحقيق التقوى، والتدرب على الطاعات، فرمضان من مواسم الخيرات التي امتنَّ الله تعالى بها على عباده؛ ليقوى إيمانهم، وتزداد فيه تقواهم، وتتعمق صلتهم بربهم، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]. ففي رمضان من العبادات والأعمال الصالحة ما يجعل النفوس تنقاد إلى رب العالمين، فتزكو النفوس، وتطهر القلوب، وتعيش الأرواح أجواء إيمانية مفعمة بالبركات والرحمات.." وفي الصيام حِكَم ومصالح "متعددة ومتنوعة، فله فوائد ظاهرة وباطنة وفوائد فردية واجتماعية، وفوائد الصوم مشهودة بالعقول السليمة، والفطرة المستقيمة" أشارت إليها نصوص الشرع ، ومن أهم الحِكَم والفوائد والمنافع التي شُرِع من أجلها صيام شهر رمضان الحكم والفوائد التالية :
1-الصيام يظهر صدق الايمان والعبودية للرحمن والاستجابة لأوامره .
الصوم عبادة لله تعالى يظهر بها من كان عابداً لمولاه، ومن كان متبعاً لهواه، فيظهر بذلك صدق إيمان العبد ومراقبته لله؛ ولهذا كان كثير من المؤمنين لو ضرب، أو حبس على أن يفطر يوماً بغير عذر لم يفطر، وهذه الحكمة من أبلغ حكم الصيام." إن الاستجابة لأمر الله هي صفة المؤمنين ، و سمة الصادقين ، يدورون مع الوحي حيث دار ، ممتثلين للأوامر ، مجتنبين للنواهي ، و قد أمر الله جل وعلا بذلك في كتابه فقال : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)} [الأنفال: 24] ، وقد ذكر القرآن هذه الصفة في آيات الصيام ، و ذلك إشارة إلى أنها مقصودة للشارع ، مرتبة على عبادة الصيام ، ولاشك أن الصيام والاعتكاف فيهما تربية للنفس على الاستجابة لأمر الله تعالى ، وذلك لما يلحق العبد من المشقة في أداء هذه العبادات ، و لما اشتملا عليه من الأحكام والتشريعات التي يمتثلها العبد ، وأسوق من الآيات ما يشير إلى هذه الحكمة الجليلة :
أولاً : الأمر الرباني بالاستجابة لله تعالى ، و ذلك إشارة إلى هذه الحكمة ، وذلك عقب بيان جملة من أحكام الصيام يقول الله تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } [البقرة: 186]، فقوله : " فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي" أي : فليستجيبوا لي بالطاعة، يقال منه : استجبت له ، و استجبته، بمعنى : أجبته "، و لذا رتب جل وعلا إجابة الدعاء على الاستجابة لأمر الله ، أي : استجيبوا لي إذا دعوتكم للإيمان والطاعة ، كما أجيبكم في الملمات والمهمات" ، و تتحقق الاستجابة لأمر الله تعالى بامتثال ما أمر به ، و اجتناب ما نهى عنه ، و في الأمر بالاستجابة في هذه الآيات دليلٌ على أنها مقصودة شرعاً في هذه العبادة و غيرها .
ثانياً : ما ورد في آيات الصيام من أوامر و نواهي ، و لا تتحقق إلا بلزوم الاستجابة لأمر الله تعالى ، وقد تنوعت أساليب التشريع ؛ ليحصل من العبد الامتثال والاستجابة لأمر الله ، ففي مطلع آيات الصيام يقول الله تعالى :{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة: 183] ، أي : فرضناه و أوجبناه فالتزموا به واستجيبوا لأمر الله بأدائه حق الأداء" ، ثم كرر الأمر بالصيام على من أدركه رمضان و هو مقيم صحيح ، فقال :
{ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، و قال في ختام الآية : {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة: 185] ، فأَمَر بإكمال عدة رمضان دون نقص.
وقال جل و علا : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة: 187] فإباحة الأكل والشرب في ليالي الصوم ، نهيٌ عن فعل ذلك في النهار و هو حقيقة الصيام ، واشتملت الآية كذلك على الأمر بإتمام الصيام إلى الليل." و هذه الآيات تنوعت فيها أساليب الأمر و النهي ، و الخطاب فيها موجهٌ لأهل الإيمان ؛ لأنهم أهل الاستجابة ، فمن خلال امتثال العبد لأوامر الله تعالى في هذه العبادة يتربى على تحقيق الاستجابة لله تعالى في جميع العبادات و القربات .
ثالثاً : من إشارات القرآن لهذه الحكمة قوله تعالى : {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)} [البقرة: 187]ومحل الشاهد قول الله تعالى : " تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ " فبعد بيان الأحكام الشرعية في عبادتي الصيام والاعتكاف ، جاءت هذه الآية مشيرة لحكمة الاستجابة لأمر الله تعالى ، فقال : " تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ " ، و في الآية إشارةٌ لتعظيمها و إجلالها بالوقوف عندها ، والاستجابة لأمر الله فيها ، وسميت حدود ؛ لأنها تمنع أن يدخل فيها ما ليس منها ، و أن يخرج منها ما هو منها ، ومن عصى الله ولم يستجب لأمره ، فهو ممن لم يلتزم بحدوده فذاك مستحق للعقوبة، و في هذه الآية الخاتمة لأحكام الصيام والاعتكاف أعظم إشارةٍ لحكمة الاستجابة لأوامر الله تعالى . وللحديث بقية .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

*تونس يا بلادي... سميربن التبريزي الحفصاوي

الإعلامي د. أحمد أسامة عمر يتألق فى ندوة نادي سينما أسامة عمر

نفحةٌ قلب بقلمي السيد حسن عبدربه