تغريدة الشعر العربي - السعيد عبد العاطي مبارك الفايد مصر
تغريدة الشعر العربي
السعيد عبد العاطي مبارك الفايد مصر
================
((( على باب الرجاء ٠٠ !! )))
الشاعر طاهر أبو فاشا " ١٩٠٨ / ١٩٨٩ م " ٠
غريبٌ على بابِ الرجاءِ طريحُ
يُناديكَ موصولَ الجَوَى ويَنُوحُ.
===
ومما قاله من أشعار وصف فيها حاله قبل رحيله:
غال الزمان زماني ثم خلفني..لعبرة الدهر تبكيني وتضحكني
تناكدتني أيامي على كبر..وأنكرتني الليالي وهي تعرفني
وزاد من وحشة الدنيا وقسوتها..فقد الذين هم أهلي وسكني
يا طول ليلي وقد نام الظلام به..وأستيقظ الألم الطاغي وأرقني.
-----
قال عنه شاعر القطرين خليل مطران عند تقديمه لديوانه الأشواك :
" هو شاعر لا ريب فيه، ومجدد من طراز الذين لا تعوزهم قوة الديباجة وجمال العبارة" ٠
نتوقف مع راهب الليل ، ودموع لا تجف ، و على باب الرجاء ، وكانت الأقدار ٠٠ الشاعر طاهر أبو فاشا ٠
و قبل أن نفتح ملفه نعود إلى مسقط رأسه دمياط ٠
فدمياط قدمت لنا شخصيات و أعلام رواد في كافة المجالات على سبيل المثال :
العالم على مشرفة و الفيلسوف زكي نجيب محمود و الناقد الكبير ، و آمين الخولي و الكاتبة بنت الشاطيء عائشة عبد الرحمن و الشاعر فاروق شوشة صاحب لغتنا الجميلة ، و الكابتن صالح سليم ، ورياض السنباطي ، وزاهي حواس ، وصبري موسى ، و غيرهم كثيرون ٠٠
و اليوم هذا الشاعر طاهر أبو فاشا الذي كتبت عنه بحوث من قبل خلال كتابي - رثاء الأبناء في الشعر العربي و الزوجة في الشعر العربي - أضف إلى عدة مقالات أخرى ٠٠
و لم لا فيكفي أن قدم لنا تلك الدواوين الرائعة ، بجانب ألف ليلة و ليلة و أغاني و أفلام في الإذاعة و لا سيما في شهر رمضان المعظم ٠
وقد جمعت كامل أعماله الشعرية بعد وفاته حيث نشره الشاعر السعودي عبد الحميد مشخص على نفقته الخاصة وصدر عن مكتبة الملك فيصل عام 1992 وقدمه الأديب الكبير ثروت أباظة رحمة الله عليه ٠
نشأته:
****
ولد الشاعر طاهر أبو فاشا 1908م بدمياط بقرية الشعراء على النيل فرع دمياط ٠
و بعد مراحل التعليم الأولية يحفظ القرآن الكريم و تربيته الصوفية و إطلاعه على التراث لصقل موهبته الشعرية من خلال دواوين العرب و يبحر مع الزهد و الحكمة و الغزل و الفلسفة الجمالية و الرثاء ٠٠ الخ ٠
و في بداية حياته يتخرج في دار العلوم في القاهرة و يعمل معلما ، ثم يعمل سكرتيراً في وزارة الأوقاف.
كما عمل رئيسا لقسم التأليف والنشر بإدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة ٠
وقد تفرغ لنظم الشعر والزجل وله العديد الدواوين ٠٠
ديوان صورة الشباب ، والقيثارة السارية، والليالي، ودموع لا تجف ، وراهب الليل ، و الأشواك ٠
أدبية ثرية وعالية القيمة:هز القحوف في شرح قصيدة أبى شادوف، الذين أدركتهم حُرفة الأدب، تحقيق مقامات بيرم التونسي. العشق الإلهي
وفي أدب رحلات كتب "وراء تمثال الحرية"، والذي كتبه أثناء رحلته إلى أمريكا لزيارة ابنته عزة، وكذلك كتابه20 يومًا في روما.
كما أن له العديد من الكتب ذات الموضوعات مختلفة وبعضها سياسي ومنها أيام وأحداث، الجمهورية العربية المتحدة، في معركة المصير العربي، قصة الســـد العالـــي، الجلاء مــن الألف إلى الياء، قصة ميناء دمياط.
و ديوان الأشواك الذي قدمه الشاعر الكبير مطران خليل مطران وقال في مقدمته عن أبو فاشا:
"هو شاعر لا ريب فيه، ومجدد من طراز الذين لا تعوزهم قوة الديباجة وجمال العبارة" ٠
و من ثم شتهر طاهر أبو فاشا بنحو ٨٠٠ حلقة كتبها من "ألف ليلة وليلة"، والتي أذيعت على موجات إذاعة البرنامج العام، ولاقت شهرة وإقبالا جماهيريا منقطع النظير.
وقال أبو فاشا في إحدى حواراته الصحفية عن ألف ليلة وليلة "أن الثمانمائة حلقة التي أذيعت ليست كلها من الكتاب لأن كل ما أخذناه من الكتاب هو ٥٠ إلى ٦٠حلقة فقط انتهى بعدها الكتاب، وبدأت أنا أصنع حلقات جديدة من خيالي أو أصنعها من الحواديت التي أسمعها من جداتنا وما غير ذلك، أما لماذا لم نستكمل الحلقات إلى ألف ليلة فكان لذلك أسبابه إضافة إلى أننا أردنا إسدال الستار والناس يصفقون على أن نستمر وقد استنفدت الحلقات أغراضها".
ومن القصائد التي تدور في رحاب محبة الله،
هذه القصيدة ، وهى تحمل نفس اسم الديوان (على باب الرجاء ) و التي يستهلها طاهر أبو فاشا بقوله :
غريبٌ على بابِ الرجاءِ طريحُ
يُناديكَ موصولَ الجَوَى ويَنُوحُ.
و هذا الديوان يحمل بين جنباته قصائد الحب الإلهي، ويحتوي على مجموعة من القصائد التي تغنت بها أُم كلثوم في فيلم «رابعة العدوية»، وقد وظف أبو فاشا في النص معرفته الكبيرة باللغة العربية وعلم بديعها وبيانها، لتأتي القصيدة لوحة جمالية تحمل شتى الصور الأنيقة والمعاني الرائعة، والتأدب في مخاطبة رب العزة.
تدور القصيدة في رحاب الأمل والرجاء، والخوف من انقطاعه، ليكون الدعاء الجميل المنظوم وسيلة للتواصل والمحبة، فدائما قدر المحب أن يبحث عن الوسائل التي تجعله على طرف ولو خفي بمحبوبه.
ومن دواوينه أيضًا راهب الليل والذي حوي مجموعة القصائد التي غنتها أم كلثوم في فيلم رابعة العدوية، ومنها:
قصيدة "في بحار الندم"، وهي ـ أيضًا ـ من ألحان الموسيقار رياض السنباطي، منها :
على عيني بكت عيني
على روحي جنت روحي
هــــواك وبعد ما بيني
وبينك ســــرُّ تبريــــــحي
على عيني
على روحي
فيا غوثاه يا غوثاه
ومن طول النوى أوَّاه
وآه آهْ ٠
***
رثاء زوجته نازلي وليلة العيد :
--------------------
ثم ترحل زوجته نازلي وقد رثاها بديوان كامل بعنوان ( دموع لا تجف )٠
وبعد وفاة زوجته نازلي المهدي عام 1979 عانى حزنًا شديدًا وحاول التغلب عليه باستكمال إصدار دواوينه حتى كان ديوان "دموع لا تجف عام 1987 والذي أهداه إلى ورح زوجته وعبر فيه عن مدى الحزن والألم الذي ظل مسيطرًا عليه بعد فراقها ومن أشعار رثائها التي كتبها في هذا الديوان قصيدة بعنوان الكأس مطلعها:
قلت للكأس والليالي غريمي
أين يا كأس كــرمتي ونعيمــي
جمعَ الليلُ شاربيــــها فمـا لي
لا أرى بين شاربيــها نديــمي ٠
***
ثم تتوالى الأحزان بعد رحيل زوجته نازلي ، وسيطر عليه شديد الألم بعد وفاة ابنه الأكبر الشاعر فيصل بفترة قصيرة من وفاة زوجته ومن رثائه له:
كم ذا ألاقي من الأيـــــام يا ولـدي
ولا أراك إذا يومـــــــــــــًا مددتُ يدي
خوفي عليكَ و خوفي منك يملؤني رعبــا
من اليوم موصولًا برعْبِ غدي
هذا الذي كنتُ أرجوه ليحمــــلَني
فصرت أحملهُ شيــــخا بلا جَـــــــــــلَدِ ٠
***
ويقول طاهر أبو فاشا في مستهل القصيدة الرائعة ( على باب الرجاء ) كما نوهنا عنها سابقا ٠٠
غريبٌ على بابِ الرجاءِ طريحُ
يُناديكَ موصولَ الجَوَى ويَنُوحُ.
* مع القصيدة:
غريبٌ على بابِ الرجاءِ طريحُ
يُناديك توصل الجَوَى وينوحُ
يَهونُ عذاب الجسمِ والروحُ سَالِمٌ
فكيف وروحُ المُستَهامِ جروحُ
وأهواك لكننى أخافُ وأسّتَحى
إذا قلتُ قلبى فى هواك جرِيحُ
وليس الذى يَشكو الصبابة عاشقاً
وما كل باكٍ فى الغرامِ قريحُ
يقولون لى (غَنّى) وبالقلبِ لوعةً
أغنى بها فى خلوتى وأنوحُ
ولى فى طريق الشوق والليلُ هائمٌ
معالم تخفى تارةً وتلوحُ
ولى فى مقام الوجَّدِ حالٌ ولوعةٌ
ودمعٌ أدارى فى الهوى وَيَبوحُ
وأنتَّ وجودى فى شهودى وغيبتى
وسِرُّك نور النُّور أو هو روحُ
وما رحلت إلاَّ إليك مواجدِى
وداعى الهوى بالوالهينَ يصيحُ
بسرَّ الهوى يَغدو وفيه يَروح
غريبُ على بابِ الرجاءِ طرِيحُ ٠
***
و نختم له بقصيدة في رثاء زوجته نازلي فيقول أبو فاشا :
أتى العيد نازلي ولم نلتق
وغامت سمائي فلم تشرق
أتى العيد يطرق بابي فما
أجاب سوى دمعي المهرق
أعيد وأنت بعيد هناك
تقيمين تحت الثرى المطبق
لقد كنت ظلا أفيء إليه
وأهرب من يومي المرهق
وقد كنت قلبا كبير المنى
لغيرالمحبة لم يخلق
وكنت قصيدا جديد الرؤى
شجيا معانيه لم تطرق
مضى كل هذا ولم يبق لي
سوى ذكريات الأسى الموبق
فيا لهف نفسي ماذا مضى
ويالهف نفسي ماذا بقي !
***
هذه كانت قراءة سريعة في عالم طاهر أبو فاشا الشعري الذي نرجع إلى شعره كثيرا لأنه يحمل دلالات و معاني و صور و خيالا واسعا و إيقاعا تشرق به النفس في لحظات الصفاء في صدق ذات تأثير على من يتناوله دائما ٠
سلام على صاحب قرع باب الرجاء في نبراته التي تهز المشاعر في عبق صوفي ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله ٠
تعليقات
إرسال تعليق