قصيدة-قصة(سلطان البركاني)

.
                 #قصيدة_وقصة... 
︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾

◼ ولما دخلت الخدر خدر عنيزة:

امرؤ القيس كان عاشقاً لابنة عمه، ويقال لها: عنيزة، وأنه طلبها زماناً فلم يصل إليها، حتى كان يوم الغدير، وهو يوم دارة جلجل. وذلك أن الحي تحملوا، فتقدم الرجال، وتخلف النساء والخدم والثقل. فلما رأى امرؤ القيس ذلك، تخلف بعد ما سار مع رجال قومه غلوة، فكان في غيابه من الأرض، حتى مر به النساء، وفيهن عنيزة، فلما وردن الغدير، قلن: لو نزلنا فاغتسلنا في هذا الغدير، فيذهب عنا بعض الكلال! فنزلن في الغدير، ونحين العبيد، ثم تجردن فوقعن فيه، فأتاهن امرؤ القيس، فأخذ ثيابهن، فجمعها وقعد عليها، وقال: والله لا أعطي جارية منكن ثوبها، ولو قعدت في الغدير يومها، حتى تخرج متجردة، فتأخذ ثوبها.

فأبين ذلك عليه حتى تعالى النهار، وخشين أن يقصرن عن المنزل الذي يردنه، فخرجن جميعاً، غير عنيزة: فناشدته الله أن يطرح ثوبها، فأبى، فخرجت، فنظر إليها مقبلة ومدبرة، وأقبلن عليه النساء، فقلن له: إنك عذبتنا وحبستنا وأجعتنا.

قال: فإن نحرت لكن ناقتي، أتأكلن منها؟

قلن: نعم.

فجرد سيفه، فعرقبها ونحرها، ثم كشطها، وجمع الخدم حطباً كثيراً، فأججن ناراً عظيمة، فجعل يقطع أطايبها ويلقي على الجمر، ويأكلن ويأكل معهن، ويشرب من فضلة كانت معه، ويسقيهن، وينبذ إلى العبيد من الكباب. فلما أرادوا الرحيل، قالت إحداهن: أنا أحمل طنفسته.

وقالت الأخرى: أنا أحمل رحله وأنساعه.

وكان هذا عين ما يرمي إليه، ليركب مع عنيزة، وينفرد بها، ليطفئ غلة في نفسه منها.

فتقسمن متاعه وزاده، وبقيت عنيزة لم تحمل له شيئاً، فقال لها: يا ابنة الكرام، لا بد أن تحمليني معك، فإني لا أطيق المشي.

فحملته على غارب بعيرها، فكان يجنح إليها، فيدخل رأسه في خدرها، فيقبلها، فإذا امتنعت، مال حدجها، فتقول: عقرت بعيري، فانزل!

ففي ذلك يقول:

ويَومَ عَقَرتُ لِلعَذَارَي مَطِيَّتِي
فَيَا عَجَباً مِن كُورِهَا المُتَحَمَّلِ

فَظَلَّ العَذَارَى يَرتَمِينَ بِلَحمِهَا
وشَحمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقسِ المُفَتَّلِ

ويَومَ دَخَلتُ الخِدرَ خِدرَ عُنَيزَةٍ
فَقَالَت: لَكَ الوَيلاَتُ إنَّكَ مُرجِلِي

تَقُولُ وقَد مَالَ الغَبِيطُ بِنَا مَعاً:
عَقَرتَ بَعِيرِي يَا امرأَ القَيسِ فَانزِلِ

فَقُلتُ لَهَا: سِيرِي وأَرخِي زِمَامَهُ
ولاَ تُبعِدِينِي مِن جَنَاكِ المُعَلَّلِ

فَمِثلِكِ حُبلَى قَد طَرَقتُ ومُرضِعٍ
فَأَلهَيتُهَا عَن ذِي تَمَائِمَ مُحوِلِ

إِذَا مَا بَكَى مِن خَلفِهَا انصَرَفَت لَهُ
بِشَقٍّ وتَحتِي شِقُّهَا لَم يُحَوَّلِ

ويَوماً عَلَى ظَهرِ الكَثِيبِ تَعَذَّرَت
عَلَيَّ وَآلَت حَلفَةً لم تَحَلَّلِ

أفاطِمَ مَهلاً بَعضَ هَذَا التَّدَلُّلِ
وإِن كُنتِ قَد أزمَعتِ صَرمِي فَأَجمِلِي

أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي
وأنَّكِ مَهمَا تَأمُرِي القَلبَ يَفعَلِ

وإِن تَكُ قَد سَاءَتكِ مِنِّي خَلِيقَةٌ
فَسُلِّي ثِيَابِي مِن ثِيَابِكِ تَنسُلِ

وَمَا ذَرَفَت عَينَاكِ إلاَّ لِتَضرِبِي
بِسَهمَيكِ فِي أعشَارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ

وبَيضَةِ خِدرٍ لاَ يُرَامُ خِبَاؤُهَا
تَمَتَّعتُ مِن لَهوٍ بِهَا غَيرَ مُعجَلِ

تَجَاوَزتُ أحرَاساً إِلَيهَا وَمَعشَراً
عَلَّي حِرَاصاً لَو يُسِرُّونَ مَقتَلِي

إِذَا مَا الثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ تَعَرَّضَت
تَعَرُّضَ أَثنَاءَ الوِشَاحِ المُفَصَّلِ

فَجِئتُ وَقَد نَضَّت لِنَومٍ ثِيَابَهَا
لَدَى السِّترِ إلاَّ لِبسَةَ المُتَفَضِّلِ

فَقَالَت: يَمِينَ اللهِ مَا لَكَ حِيلَةٌ
وَمَا إِن أَرَى عَنكَ الغَوَايَةَ تَنجَلِي

خَرَجتُ بِهَا أَمشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَا
عَلَى أَثَرَينا ذَيلَ مِرطٍ مُرَحَّلِ

فَلَمَّا أجَزنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانتَحَى
بِنَا بَطنُ خَبتٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنقَلِ

هَصَرتُ بِفَودَي رَأسِهَا فَتَمَايَلَت
عَليَّ هَضِيمَ الكَشحِ رَيَّا المُخَلخَلِ

مُهَفهَفَةٌ بَيضَاءُ غَيرُ مُفَاضَةٍ
تَرَائِبُهَا مَصقُولَةٌ كَالسَّجَنجَلِ

كَبِكرِ المُقَانَاةِ البَيَاضَ بِصُفرَةٍ
غَذَاهَا نَمِيرُ المَاءِ غَيرُ المُحَلَّلِ

تَصُدُّ وتُبدِي عَن أسِيلٍ وَتَتَّقِي
بِنَاظِرَةٍ مِن وَحشِ وَجرَةَ مُطفِلِ

وجِيدٍ كَجِيدِ الرِّئمِ لَيسَ بِفَاحِشٍ
إِذَا هِيَ نَصَّتهُ وَلاَ بِمُعَطَّلِ

وفَرعٍ يَزِينُ المَتنَ أسوَدَ فَاحِمٍ
أثِيثٍ كَقِنوِ النَّخلَةِ المُتَعَثكِلِ

غَدَائِرُهُ مُستَشزِرَاتٌ إلَى العُلاَ
تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرسَلِ

وكَشحٍ لَطِيفٍ كَالجَدِيلِ مُخَصَّرٍ
وسَاقٍ كَأُنبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّلِ

وَتَعطو برخَصٍ غيرِ شَثنٍ كأنّهُ
أساريعُ ظبي أو مساويكُ إسحلِ

تُضيء الظلامَ بالعشاء كأنها
منارة ُ ممسى راهب متبتل

وَتُضحي فَتِيتُ المِسكِ فوق فراشها
نَئُومُ الضَّحَى لَم تَنتَطِق عَن تَفَضُّلِ

وتَعطُو بِرَخصٍ غَيرَ شَثنٍ كَأَنَّهُ
أَسَارِيعُ ظَبيٍ أَو مَسَاويكُ إِسحِلِ

تُضِيءُ الظَّلامَ بِالعِشَاءِ كَأَنَّهَا
مَنَارَةُ مُمسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ

إِلَى مِثلِهَا يَرنُو الحَلِيمُ صَبَابَةً
إِذَا مَا اسبَكَرَّت بَينَ دِرعٍ ومِجوَلِ

تَسَلَّت عَمَايَاتُ الرِّجَالِ عَن الصِّبَا
ولَيسَ فُؤَادِي عَن هَوَاكِ بِمُنسَلِ

ألاَّ رُبَّ خَصمٍ فِيكِ أَلوَى رَدَدتُهُ
نَصِيحٍ عَلَى تَعذَالِهِ غَيرِ مُؤتَلِ

                ┄┉❈❖❀✺❀❖❈┉┄   
                     من مختارات:
              سلطان نعمان البركاني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

*تونس يا بلادي... سميربن التبريزي الحفصاوي

الإعلامي د. أحمد أسامة عمر يتألق فى ندوة نادي سينما أسامة عمر

نفحةٌ قلب بقلمي السيد حسن عبدربه