قصة قصيرة عذاب وحنين بقلمى.عبدالنبى عياد

قصة قصيرة 
عذاب وحنين 
لم تكترث تلك الزوجة بما خلفه لها زوجها من جرح سكن بأعماق جوارحها؛ ولم تعبأ بما حملته من هموم تلك السنوات الطويلة التى نتج عنها طفلان؛ تحملت وحدها همومها مع هموم الزمن بعد أن أختفى زوجها فى ظروف غامضة بعد أن أنجبت مولودها الثانى؛ فخبأت همومها بين حنياها ولم تعبأ بأوجاع تلك السنين؛ فنفضت عن كاهلها تلك الهموم والأوجاع وبدأت ترسم طريقها؛ ثم بدأت تسير فيه بخطوات ثابتة ما بين بيتها وأطفالها وبين عملها الجديد فى إحدى الشركات الخاصة كى تستطيع النهوض بأبنائها؛ وأيضاً بين استكمال دراستها الجامعية التى قد تركتها بسبب الزواج إلى أن تخرجت منها بعد مالاقته من تعب ومضايقات بسبب جمالها وهى فى مقتبل العمر؛ ولكنها ألقت بظلال عفتها على حب أبنائها حتى أصبحت مديراً للشركة التى تعمل بها؛ لقد صنعت لنفسها عالماً خاصا يليق بطموحاتها ومستقبلها التى رسمته لنفسها ولأبنائها عوضاً عما خلفه لهم أبوهم من فراغ كبير واعباء المسئولية الجسيمة؛ ورغم ذلك فإنها تزداد جمالا وأناقة برغم قسوة تلك السنوات الطويلة؛ حتى تخرج الإبن الأكبر من الجامعة فأردات أن تزوجه بالفتاة التى أحبها وأرتبط بها فى قصة حب حقيقية استمدها من هذه الأم التى ضربت لهم أعظم الأمثلة فى جميع مناحى الحياه؛ والأهم من ذلك كله أنها ظلت تزرع فيهم حبهم الصادق لأبيهم وأنه لولا تلك الغيبة الطويلة التى لم تعلم عنها شيئا لكان أحبهم أكثرمنها. فتلك هى قمة التضحية من تلك الأم والزوجة التى لم تؤثر نفسها على زوجها الغائب لتلك السنوات البعيدة. 
لقد استعدت لإقامة حفلا كبيرا يليق بمركزها وكيانها. 
وفى تلك الليلة تزينت هذه الأم الجميلة للمرة الأولى منذ غياب زوجها لتحصد فرحة ما زرعته طوال تلك السنوات فبدت أجمل إمرأة فى هذا الحفل الكبير وفجأه. 
وأثناء أستقبالها لضيوفها وإذا بيد تمتد لتلامس كتفها فتلتفت فجأة. وإذا بعيناها الجميلتان تلتقى مباشرة بعيني زوجها وتطول النظرات بينهما فى صمت رهيب يتأمل كل منهما الآخر فى شوق وحنين وكأنهما يلتقيان لأول مرة كأنهما لم يدركا بأنهما يربطهما رباطاً أبدياً أطول من تلك السنين. 
وبدأت تهتز مشاعرهما شوقاً وارتعدت شفتاها وكأنها تريد أن ترتمى بين أحضانه ليضمها على صدره فتستمد منه الحنان لتروى عطش تلك السنوات البعيدة؛ ولكنها تسأله فى عتاب وشوق . لماذا كل تلك السنوات الطويلة الموحشة؟ لماذا تركتنى وحدى أواجه تلك الصعوبات وأتحدى تلك الهموم الصعبة؟
ولكنها لم تستطيع كتمان هذا الشوق والحنين إليه فبدأت تتساقط من عينها قطرات كحبات اللؤلؤ وكأنها تذيب عذاب تلك السنين؛ ولكن الزوج يمد يديه فى حنان ويمسح تلك الدموع المتساقطة فوق خديها الورديان ثم أمسك بيديها يقبلهما فى إنحناء وكأنه يبدى أسفه لما فعلته تلك السنين بهم وفخراً بأمومتها لأولادهم. 
ثم يخبرها بأن تلك السنوات الطويلة قد لاقى فيها تعذيباً مريراً دون أن يدرى لماذا يعاقب؛ ثم طلب منها أن تسامحه حتى تنتهى تلك الحفلة التى كتب له الله أن يخرج فى هذا اليوم ليشارك أولاده وزوجته فرحتهم ثم بعد إنتهاء الحفل يحكى لهم كل شىء. 
وإذا بالأبناء يقبلون يدى كل منهما فرحين بعودة أبيهم إليهم فيطلبوا من الأم أن تسامحه بحق ذلك الحب والإحترام التى تكنه له كل تلك السنوات؛ وإذا بها تحتضنهم ثم تبتسم له...تمت.
بقلمى.عبدالنبى عياد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

*تونس يا بلادي... سميربن التبريزي الحفصاوي

الإعلامي د. أحمد أسامة عمر يتألق فى ندوة نادي سينما أسامة عمر

نفحةٌ قلب بقلمي السيد حسن عبدربه